الصراع النووي المحتمل- الهند وباكستان وكشمير

المؤلف: صدقة يحيى فاضل09.04.2025
الصراع النووي المحتمل- الهند وباكستان وكشمير

منذ نيلهما الاستقلال في عام 1947، طغت الخلافات واشتعلت نار الحروب بين الدولتين الجارتين، الهند وباكستان. فالعلاقات بينهما شهدت سلسلة من النزاعات المسلحة المتكررة حتى يومنا هذا. آخر هذه الصراعات اندلع في الثاني والعشرين من شهر أبريل لعام 2025 على امتداد الخط الفاصل بينهما في إقليم كشمير المتنازع عليه. وقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية من شهر أبريل تصاعداً لافتاً في وتيرة الاشتباكات العسكرية والقصف المتبادل بين الجانبين في مناطق كيران وبونش وكوبوارا، مما أدى إلى وقوع خسائر بشرية فادحة وسقوط قتلى وجرحى من كلا الطرفين، فضلاً عن إثارة شبح التصعيد العسكري الشامل الذي يهدد بالتحول إلى مواجهة نووية كارثية بين هاتين الدولتين النوويتين المتجاورتين.

وعلى صعيد التطورات الإيجابية، تمكن الطرفان المتنازعان من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، والذي تم تحديده في البداية حتى الثامن عشر من شهر مايو لعام 2025. وفي خطوة تبعث على الأمل، اتفق الطرفان لاحقاً على تمديد العمل بهذا الاتفاق إلى أجل غير مسمى، مما يعكس رغبة مشتركة في تخفيف حدة التوتر. وقد أعقب هذا التفاهم الميداني بين الهند وباكستان اختبار حاسم لمدى التزام الطرفين بوقف إطلاق النار، والذي لا يزال صامداً على الرغم من غياب اتفاق رسمي مؤسسي، ويعتمد في الواقع على توازنات ميدانية هشة واتصالات عسكرية محدودة. هذا الوضع الدقيق يثير تساؤلات مشروعة حول مدى قابلية هذه التهدئة للاستمرار أو الانهيار في أي لحظة.

الوضع الميداني الراهن على الأرض يعكس بوضوح انخفاضاً ملحوظاً في مستوى الاشتباكات على طول خط المراقبة المتنازع عليه. فمنذ الثاني عشر من شهر مايو لعام 2025 لم يتم تسجيل أي خروقات أو تجاوزات كبرى، واقتصرت الحوادث على تحركات محدودة لم تتطور إلى تصعيد جديد. هذا التطور المبهج يمثل مؤشراً إيجابياً، إلا أنه لا يستند إلى التزام سياسي راسخ، بل يعتمد بشكل كبير على توازن الردع الميداني، مما يجعله عرضة للانهيار في حال وقوع أي احتكاك بسيط.



تعتبر باكستان والهند أكبر دولتين من حيث عدد السكان في منطقة جنوب آسيا، وهما في الأصل كيان واحد. يجمعهما تاريخ عريق وتقاليد مشتركة. وهما تتشاركان وتتشابهان في العديد من الجوانب، بما في ذلك التاريخ والثقافة واللغة والفكر. ومع ذلك، فقد ظل هذان البلدان عدوين لدودين على مر العقود، وخاضا حروباً كثيرة، ويواجهان باستمرار احتمال نشوب حرب نووية مدمرة بينهما، لا تبقي ولا تذر.

في شهر أغسطس من عام 1947، احتفلت باكستان باستقلالها عن الإمبراطورية البريطانية، تبعتها الهند في اليوم التالي، لتنال استقلالها أيضاً عن بريطانيا. وجاء ذلك بعد انسحاب بريطانيا من شبه القارة الهندية التي كانت تعتبرها درة تاجها الإمبراطوري. وقد خلف الانسحاب البريطاني وراءه دولتين مستقلتين هما الهند العلمانية ذات الأغلبية الهندوسية، وباكستان الإسلامية.

في عام 1858، خضعت الهند للاحتلال البريطاني المباشر. وفي عام 1920، اندلعت حركة استقلال الهند بقيادة الزعيم الروحي مهاتما غاندي. دعا غاندي الهنود من جميع أطياف المجتمع الهندي إلى تبني أسلوب الاحتجاج السلمي واللاعنف، وتشجيع عدم التعاون مع الحكم البريطاني، والذي تضمن مقاطعة البضائع البريطانية وكل ما هو بريطاني. ردت السلطات البريطانية على هذه التحركات الشعبية باعتقال غاندي بتهمة التحريض وإثارة الفتنة. وبعد إطلاق سراحه، سافر غاندي في عام 1931 إلى لندن لحضور مؤتمر المائدة المستديرة، كممثل وحيد لحزب المؤتمر الوطني الهندي. إلا أن العديد من المسلمين والسيخ لم يؤيدوا رؤية غاندي الخاصة بالهند كبلد واحد موحد. ونتيجة لذلك، قدم غاندي استقالته من حزب المؤتمر واعتزل الحياة السياسية، لكنه بقي مواصلاً حملته النضالية من أجل تحقيق الحرية والمساواة الاجتماعية لجميع الهنود. وفي نهاية المطاف، تحققت أهداف غاندي، واضطرت بريطانيا إلى إنهاء وجودها الاستعماري في شبه القارة الهندية.



في تلك الفترة الحاسمة، نشبت خلافات حادة وجدالات محتدمة بين أبرز القيادات السياسية في البلاد، وهما جواهر لال نهرو ومحمد علي جناح. كان نهرو زعيماً لحزب المؤتمر، وكان يعارض بشدة فكرة تقسيم البلاد على أسس دينية. في المقابل، كان محمد علي جناح، زعيم "عصبة مسلمي الهند"، والذي أصبح لاحقاً الحاكم العام لباكستان عقب التقسيم، مصراً على أن لمسلمي الهند الحق الكامل في تأسيس دولة مستقلة خاصة بهم. وبعد أن تأكد جناح من أن حزب المؤتمر يعادي مصالح المسلمين ويتجاهل مطالبهم، قرر الانفصال عن الحزب، بعد أن كان عضواً بارزاً فيه، وشكل "العصبة الإسلامية". ونتيجة لذلك، نشبت خلافات حادة ومواجهات دامية بين الحزب والعصبة. وفي محاولة لاحتواء الوضع المتدهور، أرسلت بريطانيا وفداً إلى الهند بهدف حل الأزمة بين الطرفين المتنازعين ونقل السلطة إلى إدارة هندية موحدة. إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل الذريع، عقب اندلاع حرب ضروس بين الهندوس والمسلمين، بشأن مستقبل البلاد واستقلالها. وفي نهاية المطاف، أقر البرلمان البريطاني في عام 1947 قانون استقلال الهند وباكستان، وأمر بترسيم الحدود بين الدولتين الجديدتين. وتم الانتهاء من رسم خط تقسيم شبه القارة إلى دولتين منفصلتين. وهكذا، تم تقسيم أكبر إمبراطورية في العالم آنذاك.



يتركز الخلاف والصراع المستمر بين الدولتين الجارتين بشكل أساسي على إقليم كشمير المتنازع عليه. تقع منطقة كشمير ذات الموقع الاستراتيجي، المتنازع عليها، على الحدود المشتركة لأربع دول، هي: الهند، باكستان، الصين، أفغانستان. وتبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 86023 ميلاً مربعاً. يقسمها خط وقف إطلاق النار، منذ سنة 1949. وتبلغ مساحة الجزء الخاضع للسيطرة الهندية 53665 ميلاً مربعاً، ويسمى جامو كشمير. أما مساحة الجزء التابع لباكستان فتبلغ 32358 ميلاً مربعاً، ويعرف باسم ولاية كشمير الحرة (كشمير أزاد). ويبلغ عدد سكان الولاية حوالي 6 ملايين نسمة. يشكل المسلمون منهم أغلبية بنسبة 64%، فيما تبلغ نسبة الهندوس 33%، والسيخ 3%.

لقد نشبت حروب عديدة بين باكستان والهند، على إقليم كشمير المتنازع عليه، ومناطق أخرى. فكل من الهند وباكستان تدعي أحقيتها في السيادة على كشمير، هذا الإقليم الهام، من الناحيتين الاقتصادية والاستراتيجية. ولم يتم حل هذا الخلاف المستمر منذ عام 1947 حتى الآن، على الرغم من محاولات العديد من الدول للتوسط بين الدولتين بهدف التوصل إلى حل سلمي. وكذلك تدخلت الأمم المتحدة، وأصدرت قراراً يقضي بإجراء استفتاء بين سكان كشمير لتقرير مصيرهم، إلا أن الهند رفضت بإصرار هذا القرار، لأنها تدرك أن تنفيذه سيعني رغبة أغلبية السكان في الانضمام إلى باكستان. وما زال العالم أجمع يحبس أنفاسه، خشية اندلاع حرب نووية مدمرة بين الدولتين، نتيجة استمرار هذا الخلاف الذي طال أمده، والذي لن يقتصر ضرره على شبه القارة الهندية فحسب، بل سيمتد ليشمل سماء أوروبا غرباً وإلى اليابان شرقاً.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة